منتديات اسيرة الاحلام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


آهـلآ وسـهلآ بكم فـي منتديات أإسـيرة أإلأحــ ــلآم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 اعجاز في القران الكريم 2

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 85
نقاط : 2032
تاريخ التسجيل : 01/03/2014
العمر : 29
الموقع : المملكه العربيه السعوديه

اعجاز في القران الكريم 2 Empty
مُساهمةموضوع: اعجاز في القران الكريم 2   اعجاز في القران الكريم 2 Emptyالخميس مارس 06, 2014 2:55 am



هذه آيةٌ من آيات الله عزَّ وجلَّ، حيث يسُوقُ الرياح بُشْرًا بين يدي رحمته، بين يدي المطر الرياح لواقح، كالناقة التي تحمل في بطنها حَمْلَها، أو المرأة التي تحمل، لواقح أي: حوامل بالماء، كما قال عزَّ وجلَّ: {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًاثِقَالًا}، أي: بالماء، {سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ}؛ فالرياح تحمل الماء، وكأنها مُلقَّحة بالماء...

د. يوسف القرضاوي

آيات الله تعالى في الريح والرِّياح:

هذه آيةٌ من آيات الله عزَّ وجلَّ، حيث يسُوقُ الرياح بُشْرًا بين يدي رحمته، بين يدي المطر الرياح لواقح، كالناقة التي تحمل في بطنها حَمْلَها، أو المرأة التي تحمل، لواقح أي: حوامل بالماء، كما قال عزَّ وجلَّ: {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًاثِقَالًا}، أي: بالماء، {سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف:57].

فالرياح تحمل الماء، وكأنها مُلقَّحة بالماء، هذا هو المراد باللقاح هنا، وليس المراد: الرياح لواقح، كما ذكر بعض المُحْدَثين والمعاصرين: أنَّ الرياح تُلَقِّح الشجر[1]. هذا صحيح من الناحية العلميّة، ومن الناحية الواقعيّة، الرياح تَُلَقِّح الشجر، تنقل حُبوب التذكير وحبوب التأنيث إلى التذكير، وهذا ممَّا أثبته العلم الحديث، وأنَّ كلَّ الكائنات الحّيَّة فيها ذكور وفيها إناث، فيها مذكَّر وفيها مؤنَّث، ولا بدَّ أن تنقل حبوب هذا إلى ذاك، والرياح لها تأثير في ذلك.

قاعدة الزوجيَّة في الكون:

وكان الناس يجهلون تلك الحقيقة التي أثبتها القرآن حينما قال: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} [يس:36]، وقرَّر هذه القاعدة الكليَّة في سُورة الذاريات حينما قال: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات:49]، خلقنا زوجين، أي: ذكر وأنثى، مُوجب وسالب، حتى الذرَّة التي هي وحدة البناء الكونيِّ لهذا العالم، فيها بروتون وإلكترون، أو شحنة كهربائية موجبة وشُحنة كهربائية سالبة، هذا الكون قائمٌ على هذا التقابل وهذا الازدواج، قاعدة الزوجيَّة قاعدة عامَّة في هذا الكون، كلُّ شيء مزدوج، ليس هناك واحد إلا الله، وماعَدَا الله كلُّه مزدوج، يكمِّل بعضه بعضًا بالتقابل.

دلالة السِّياق على معنى {لَوَاقِحَ}:

@{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ}، ليس المراد منها – كما قلنا - أنها تُلَقِّح الشجر والنبات، وإن كانت هذه حقيقة، إنما تُلَقِّح الماء، لواقح بالماء أي: حوامل بالماء، والسياق يقرِّر ذلك.

إنزال الماء الصالح للشرب: {فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً[2] فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ}[3]

{فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ}، سواءٌ أنتم أو أنعامكم، {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} [النازعات: 33، وعبس:32]، تشربون أنتم ودوابُّكم وبهائمكم وكلُّ ما حولكم.

والله سبحانه وتعالى، أنزله من جهة السماء من السحاب، ماءً صالحًا للشرب، كان يمكن أن يكون هذا الماء غير صالح للشرب ونموت من العطش، ولكن كما قال الله عزَّ وجل: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ} [الواقعة:68-70]، ربُّنا هو الذي أنزله من السُّحُب وليس نحن: {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ}، لولا تشكرون هذه النِّعمة.

كما قال في آية أخرى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} [المؤمنون:18] - فلو كان نزول الماء من غير حساب، كان سَيُغْرق الدنيا - لا نستطيع أن نشرب منه، ولا نُحيي به الأرض، ولا نزرع زرعًا، كما في الآية السابقة: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}.

{وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}

حفظ الماء العذب:

{فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ}، أي: جعلناه مُعدًّا لسقيكم والأرض والمواشي، لم تحفظوا الماء العذب في خزانات.

الآن تمكَّن الناس أن يقيموا خزَّانات تحمي الماء، يومًا أو اثنين أو ثلاثة، إنما أن ينشئوا خزانات للمياه التي تَروي الأرض، وتسقي الزرع، وتسقي البهائم، وتسقي الناس، ما أنتم له بخازنين، الله هو الذي يخزنه عنده، ويُنزِّله بقَدَر، وما أنتم له بخازنين[4].

{وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ}

آيات الله في الإحياء والإماتة:

ثم قال عزَّ وجل في آيةٍ من آياته أيضًا: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ}[5]، الله وحده هو الذي يُحيي ويُميت، يُوجد الحياة في فاقدها، ويُزيل الحياة ممَّن هي فيه. الحياة الحقيقيَّة والإماتة الحقيقيَّة من أفعال الله وحده في كونه، وليس كما فعل نمرود حينما قال لإبراهيم إذ حَاجَّهُ في ربِّه: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة:258].

وإبراهيم قال: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [البقرة:258].

وقال نمرود: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ}. فجاء برجلين من عُرض الطريق، وحكم عليهما بالإعدام بدون جريمة، بدون أيِّ شيء. فقال: حكمت عليهم بالإعدام. ثم جاء بسيفه، وقال للسيَّاف: اضْرب عنق هذا. فقتله، قال: أنا أمتُّه. وقال للثاني: عفوتُ عنك. قال: هذا أحييته، والآخر أمتّه، فأنا أُحيي وأُميت.

فسيدنا إبراهيم لم يُرِد أن يجادله: ما معنى الإحياء، وما معنى الإماتة؟ هناك شيءٌ في علم الجدل يُسمَّى الانتقال من دليل إلى دليل، من دليل واضح إلى دليل أوضح منه، من دليل غامض إلى دليل واضح: {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258].

فالإحياءُ الحقيقيُّ والإماتة الحقيقيَّة هي بيد الله عزَّ وجل، الله هو الذي يُحيي الأرض، وهو الذي يُحيي الكائنات المختلفة، في البحر، وفى البرِّ، الزواحف والطيور والحشرات، والإنسان، كلُّ هذا مَن الذي يُحييه؟ إنَّه الله عزَّ وجل: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت:39].

الذي يُحيِّي الأرض هو الله: {وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ} [يس:33-35]، الثمرة هذه مَن الذي خلقها؟ مَن الذي فجَّر العيون؟ ومَن الذي أجرى الأنهار؟ ومَن الذي أنزل الماءَ وأحيا الأرض؟ إنَّه الله الخالقُ الرازق المُدبِّر الحكيم: {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} هذا عمل يد الله، كما قال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ *وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ} [يس:71-73]، من عمل يد الله، إحياء الأرض، وإحياء النباتات، وإحياء الحيوانات، وإحياء الإنسان، هو من عمل الله عزَّ وجل، ليس من عمل الطبيعة.

يقول الماديُّون: هذا من شغل الطبيعة، هي التي تعمل هذه الأمور. وقالوا: إنَّ مواد الحياة موجودة في الطبيعة.

وهنا نقول لهم ولمَن على شاكلتهم: مَن الذي أنزل خليَّة الحياة الأولى؟ مَن الذي أنزلها وأصبحت تُتوارث بعد ذلك؟ إنَّه الله سبحانه وتعالى.

{وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ} كلُّ إنسان، وكلُّ حيوان يموت في موعده في أجله: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}، [المنافقون:11].

مؤكِّدات الإحياء والإماته:

{وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ} هذه الصيغة المؤكَّدة، قلنا قبل ذلك: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ}، فيها عدَّة تأكيدات، جمله اسميَّة، ثم تأكيدها بإنَّ، ثم اللام في {لَنَحْنُ} إلى آخره[6]، هنا {إِنَّا}، ثم اللام {لَنَحْنُ}، و(نحن) ضمير فصْل يعنى زيادة في الجملة: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ} كلُّها تأكيدٌّ أنَّ هذا الأمر بيد الله وحده، وليس بيد أحد من خلقة.

{وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ}

الله سبحانه وتعالى هو الوارث:

الوارث هو الذي يبقى بعد الميِّت لينتفع بتَركته، وليرث أملاكه، والله سبحانه هو الباقي بعد فناء الخلائق جميعًا، فهو كأنَّما هو الذي يرثهم، كما قال عزَّ وجلَّ: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم:40]، اللهُ هو الوارث: {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} [القصص:58]، تهلك الأمم وتنتهي، والذي يَرِثُها هو الله، {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ}، فهو سبحانه المالك لكلِّ شيء بدءًا وختامًا، وهو المالكُ لذوات المالكين.

{وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ}[7]

علم الله سبحانه الشامل بالمتقدِّمين والمتأخِّرين:

{وَلَقَد}: الَّلام هذه موطَّئة للقسم، يعني كأنَّه قسم، و(قد) هنا للتحقيق، (قد) تأتي أحيانًا للتقليل إذا دخلت على المضارع، كقولنا: قد يحدُث كذا، قد يجودُ البخيل، قد يصدق الكذوب. فتكون (قد) هنا للتقليل، فإذا دخلت على الماضي تفيد التحقيق، مثل: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:1]، (قد قامت الصلاة)، إلا في أفعال الله تعالى فإنَّها للتحقيق دخلت سواء دخلت على الماضي أم المضارع، {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا} [النور:63]، {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} [النور:64]، {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا} [الأحزاب:18].

فهنا (قد) للتحقيق، والَّلام موطِّئة للقسم، كلُّ هذا مؤكِّد على أنَّ علمَ الله مُتحقِّق، على أنه لا يغيب عنه شيءٌ، ولا يخفى عليه شيء من أمور خلقه.

والمُسْتَقْدمون: الأمم المُتقدِّمة قبل محمّد عليه الصلاة والسلام، والمُسْتأخرون: الأمم المتأخِّرة بعد محمَّد عليه الصلاة والسلام إلى يوم القيامة.

أو المستقدمون: الأحياء، والمستأخرون: الأموات، الأحياء أيًّا كان الماضون، والحاضرون، والمستقبلون، كلُّهم يعلم الله أمرهم، ولا تخفى عليه منهم خافية، ولا يغيب عنه سرًّا ولا علانية، كما قال سيدنا إبراهيم: {رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم:38]، {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} [24].

علم الله تعالى شاملٌ للمستقدِمين وللمستأخرين، للماضي وللحاضر وللمستقبل، لِما كان ولِما هو كائن ولِما سيكون، هو العلم المحيط: {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب:40]، هذا علم الله.

أما علم البشر فهو علم محدودٌ بحدود المكان. فقد تعلم أمورًا حَوْلَكَ، ولا تعلم أشياء في مكان آخر، لأنَّ علمك محدودٌ بحدود المكان، ومحدود بحدود الزمان، فلا تعرف الماضي إلا عن طريق الخبر والنقل، ولا تعرف المستقبل، كما قال تعالى: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34]، وأنت في قطر هنا، ترى هل ستموت فيها، أو ستموت خارجها، إذا كنت في بلد آخر؟ قد تموت في بلدك في الإجازة، أو تموت وأنت مسافر؟ لا تدري، كما يقول الشاعر:

مشيناها خُطىً كُتبت علينا





ومَن كُتبت عليه خطىً مشاها

ومَن كانت منيَّتُه بأرض





فليس يموت في أرض سواها[8]

ولكن لا نعلم أين نموت، ولا متى نموت؟ الإنسان علمه محدود أمام علم الله تبارك وتعالى، فهو العلم الواسع: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [طه:98]، فهو سبحانه وتعالى، عليم بكلِّ شيء، {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14].

{وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}

قدرة الله سبحانه على حشر المتقدمين والمتأخرين ومحاسبتهم:

هؤلاء الذين يُحْيِّيهم الله ويُميتهم: {وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ}، خطابٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ}، فهؤلاء لا تنتهي حياتهم بالموت، إنَّ الموت رحلةٌ إلى دار أخرى، كما قال عمرو بن عبدالعزيز: إنكم خُلقتم للأبد، ولكن تنقلون من دار إلى دار، حتى يستقرَّ بكم القرار[9].

وقال أبو العلاء في داليته الشهيرة:

خُلق الناسُ للبقاء وللخلود فَضلَّت أمَّة يحسبونهم للنفاد

إنمَّا ينتقلونَ من دارٍ أعمال إلى دارشقوةٍ أو رَشَاد

الناسُ خُلِقوا للبقاء وللخلود، فَضَلَّت أُمَّة من الناس أو أُممٌ من الناس يحسبون أنَّهم خُلقوا لفترة محدودة، ثم ينفدون ويفنون وينتهون، فضلَّت أمة يحسبونهم للنفاد، إنما يُنقلون من دار أعمال إلى دار شقاء أو رشاد، ينتقلون بالموت من دار العمل إلى دار الحساب، فيها الشقاء أو السعادة، فيها الثواب أو العقاب، فيها الجنة أو النار.

{وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ}، بعد الموت يُبْعث الموتى، وبعد البعث يكون الحشر، بعد أن يُبعث الناس من قبورهم: {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} [القمر:7]، يحشرهم اللهُ في المحشر، مكان التَّجمُّع، هذا التَّجمُّع العظيم، الأُمم منذ خُلق آدم إلى أن تقوم الساعة، كم من الملايين؟ بل كم من البلايين من البشر؟ الله أعلم.

كلُّ هؤلاء سيُحشرون في ساحة العرض، يُعرضون على الله عزَّ وجلَّ، يحشرون، فمنهم مَن يُحشر على وجهه: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا} [الإسراء:97]، ومنهم كما قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طـه:126-124].

"يحشر النَّاسُ يوم القيامة حُفاةً عراة غُرْلا"، كما وَلَدتهم أمَّهاتهم، غُرْلًا يعنى: غير مَخْتونين، عاد الإنسان كما خُلق أول مرَّة: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:94]، يُحشر الناس يوم القيامة حُفاةً عُراةً غُرلًا.

قلتُ: يا رسول الله، النساء والرجال جميعا، ينظرُ بعضهم إلى بعض؟ قال صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة، الأمر أشدُّ من أن ينظر بعضهم إلى بعض {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}"[10].

انظر إلى الشاب الذي كان يجلس في الطرقات، يُغازل هذه، ويُكلِّم هذه، وينظر إلى هذه، وليس أمامه نساء عاريات، تجده يوم القيامة في حالةِ ذهول من هَوْلِ الموقف، والتَّرقُّب إلى المصير المحتوم، فهي نارٌ أو جنَّةٌ، وهى جنَّة الأبد أو نار الأبد، لا يُفكِّر أحدٌ في شهوة أو في شيء، الأمر أهمُّ وأشدُّ من أن يهمَّهم ذلك: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:34-37].

دلالة ختم الآية بالاسمين العظميين: {حَكِيمٌ عَلِيمٌ}

{وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ}، يومَ القيامة للحساب والجزاء والثواب والعقاب؛ لأنه إذا أحاط بهم علمًا لم تصعب عليه إعادتهم وحشرهم.

{إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}، ومن حكمته: أن يحشُرَهُم وأن يُجازِيَهُم، وإلا لو انتهى الأمرُ بالموت، ولم يكن هناك بعثٌ ولا حسابٌ ولا جزاءٌ تكون المسألة فوضى، ليس فيها حكمة، يَقتل القاتل، ويَظلم الظالم، وينهب الناهب، ويفعل الطغاة ما يفعلون بالشعوب، يدوسُون كرامات الناس، ويهتكون حُرمات الخلق، ويسفكون دماء البشر بالألوف والملايين، ثمَّ يموتون وانتهى. كثيرٌ من هؤلاء لم يعاقبوا في الدنيا؛ لأنَّ القانون لم يطلهم، وأحيانًا هم يكونوا حماة القوانين، وواضعي القوانين، هم الحكَّام - حاميها حراميها - إذن كيف يُحاكم، وكيف يُعاقب؟ لن يعاقب، ثم تنهى الدنيا. إذن هذا يكون باطلا، ولذلك قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ * أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:27، 28].

مستحيل هذا في حكمة الله تعالى، وفى عدله، أن يساوي بين البَرِّ والفاجر، وأن يساوي بين المؤمن والكافر، وأن يساوي بين العادل والظالم، وبين المحسن والمسيء، هذا يتنافى مع العدل، ومع الحكمة الإلهيَّة، ولذلك قال: {وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}.

ومن حكمته: أنه جعل دارًا للجزاء، ودارًا للحساب، يوفىَّ فيها كلُّ امرئ ما عمل، وتُجْزى كلُّ نفس ما كسبت، لا يُظلم أحدٌ شيئًا: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:8-7]، كلُّ واحد سيرى عمله: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} [الزلزلة:6]، مكشوفة أمامهم، ويُجَازَوا على هذه الأعمال: {وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [النحل:111]. وهذا مبنيٌّ على حكمة الله، وعلى علم الله، إنه يعلم مَنْ أحسن ومَن أساء، يعلم الخيِّر من الشرِّير، يعلم الطيِّب من الخبيث، ويَجْزي كُلاًّ منهم بما عمل، لا يظلم أحد شيئاً: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس:44]، {وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}.

[1] - ما ذكره - شيخنا حفظه الله – يدلُّ عليه السياق، ولا صلة له بتلقيح الشجر، ولكن يصح حمله على كون الرياح لواقح للسحب، إذ يتسبب تلقيحها لها في إنزال الأمطار، وقد دلت الدراسات العلمية أن الرياح تحمل إلى بخار الماء في السحب جسيمات صغيرات تسمى (نَوَيَات التكاثف) وتتألف هذه النويات من الغبار وأملاح البحار وبعض المواد الكيميائية، وعند تكاثف بخار الماء تنطلق حرارة تجعل السُّحبَ ساخنة، ويساعد هذا التسخين على رفع السحب إلى الأعلى، وبهذا تصير أكثر برودة، وقد فسِّر تكوُّن قطرات الأمطار في مثل هذه السحب بنظرية الاندماج ونظرية البلورات الثلجية. وينظر: (23/417) أسباب سقوط المطر.

[2] - جاءت عبارة {فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} بعد بيان إرسال الرياح لواقحَ بحرف (الفاء) الدالة على الترتيب مع التعقيب، للدلالة على أن الرياح بما تحمل من جسيمات صلبة صغيرة جدًا، تكون بمثابة التلقيح لبخار الماء في السحاب بوساطة الجسيمات، إذ تتكوَّن حولها حباَّت المطر أو الثلج أو البرد، وعقب ذلك ينزل الماء من السماء، بتدبير الله الحكيم.

[3] - يخاطب الله سبحانه الناس بضمير المتكلم العظيم، ويبين لهم أن هو الذي أسقاهم الماء الحلو العذب بتدبيراته الحكيمة، إذا جعل البخار يتصاعد في الجو بفعل الحرارة الني تمد بها أشعة الشمس، ويتكون سحبًا، وأرسل الرياح حاملاً الجسيمات اللقاح، فاجتمعت حولها حبات المطر، فثقلت بالتكاثف، فقويت جاذبية الأرض على اجتذابها إليها، فنزلت ماء عذبا سائغًا للشاربين.

[4] - أي لستم بخازني الماء العذْب الذي رزقناكم به، بل حفظه في باطن الأرض والأنهار بقدرتنا نحن، فهو سبحانه جعل بينه وبين الماء المالح حاجزًا حتى لا يختلط به، وجعله ينبع منه العيون ويجري سواقي وأنهارًا، فهو منا إيجادًا وحفظًا.

[5] - في هذه الآية قصران: قَصْر الإحياء والإماتة على الله عز وجل. وقصر وراثة كِلِّ شيء على الله عز وجل، بمعنى ظهور ملكية الله لكلِّ شيء في الأكوان، لأن الله سبحانه إذا أمات كل الأحياء ظهر انفراده في الملك، وسقطت المِلْكيات الصورية التي كان قد منحها لعبادة. وفي الجملتين قصر حقيقي، من قصر صفة على موصوف وأداه القصر فيهما طرفي الإسناد.

[6] - اللام هي: اللام المزحلقة للمبالغة في التوكيد والحال. و(نحن): ضمير منفصل مبنى على الضم في محل رفع مبتدأ.

[7] - المستقدمون: هم الذين تقدَّموا إلى الموت قبل المخاطبيين. والمستأخرون: هم الذين لم يموتوا بعد سواءٌ أكانوا في الحياة الدنيا. أم لم يأتوا إليها بمقتضي تقدير الله وقضائه السابق إلى آخر حياة الناس في الأرض. اسْتَقْدم: بمعنى تقدم، واسْتَأخر: بمعنى تأخرَّ السنين والتاء فيهما لتوكيد تحقُّق الوصف بالتقدم والتأخر، والفعل فيهما فيه معنى المطاوعة الجبرية، أي: قدَّمهم الخالق البارئ فاستقدموا، وأخرهم الخالق الباري فاستأخروا.

[8] - تنسب هذه الأبيات إلى الشاعر عبد العزيز الدريني الدميري المصري، وكان شيخا عالما سريع النظم.

[9] - سبق تخريجه صـ@.

[10] - متفق عليه: رواه البخاري في الرقاق (7256)، ومسلم في الجنة وصفة نعيمها (2859)، كما رواه أحمد (24265)، والترمذي في التفسير (3332)، والنسائي في الجنائز (2083).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://wrdhh.forumarabia.com
mrim
زائر




اعجاز في القران الكريم 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: اعجاز في القران الكريم 2   اعجاز في القران الكريم 2 Emptyالإثنين مارس 24, 2014 8:43 pm

سبحان الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
اعجاز في القران الكريم 2
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» اعجاز القران الكريم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات اسيرة الاحلام :: اسـلآميـآآت-
انتقل الى: